القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
الإعلام بكفر من ابتغى غير الإسلام
12573 مشاهدة
الحكم بالنار على من مات قبل الرسالة

السؤال: ورد بأن أهل الفترة يختبرون، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم حَكَمَ على بعض من مات قبل الرسالة بالنار فعندما سأله رجل عن أبيه فقال: أبوك في النار، ثم قال له: إن أبي وأباك في النار فكيف حكم عليهم بأنهم من أهل النار مع أنهم ماتوا قبل مجيء الرسالة؟ أليسوا من أهل الفترة ؟
الجواب:
وردت أحاديث كثيرة في امتحانهم في الدار الآخرة ذكرها ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا و ابن القيم في كتابه: طريق الهجرتين في الطبقة الرابعة عشرة من طبقات المكلفين وأشهرها حديث الأسود بن سريع الذي رواه الإمام أحمد بسند صحيح عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربعة يحتجون يوم القيامة، رجل أصم لا يسمع، ورجل هرم، ورجل أحمق، ورجل مات في الفترة وفيه: فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم رسول أن ادخلوا النار، فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم رواه عن أبي هريرة وقال في آخره: فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها رد إليها .
 ومنها حديث أبي سعيد الخدري رواه محمد بن يحيى الذهلي والبزار عن عطية العوفي عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الهالك في الفترة، والمعتوه والمولود يقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب، ويقول المعتوه: رب لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا، ويقول المولود: رب لم أدرك العقل، فترفع لهم نار فيقال لهم: ردوها، قال: فيردها من كان في علم الله سعيدا لو أدرك العمل، ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل، فيقول: إياي عصيتم فكيف لو أن رسلي أتتكم وفي رواية البزار فكيف برسلي بالغيب قال البزار لا يعرف إلا من طريق عطية عنه.
ومنها حديث معاذ بن جبل ذكره عن محمد بن المبارك الصوري بإسناده عنه مرفوعا: يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا، وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرا، فيقول الممسوخ: يا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد مني، وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك، فيقول الرب عز وجل: إني آمركم بأمر فتطيعوني فيقولون: نعم، فيقول: اذهبوا فادخلوا النار، قال: ولو دخلوها ما ضرتهم، فتخرج عليهم قوابض فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعا ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك، فيقول الرب عز وجل: قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون وعلى علمي خلقتكم وإلى علمي تصيرون، ضميهم، فتأخذهم النار وفي إسناده ضعف، لكن يتقوَّى بالشواهد والطرق الأخرى والأحاديث التي ذكرها ابن كثير وغيره،فهذه الأحاديث بمجموعها تثبت جنس الامتحان في يوم القيامة، حتى لا يعذب الله تعالى من لا يستحق العذاب.
 وقد نقل ابن القيم و ابن كثير عن ابن عبد البر أنه قال: أهل العلم ينكرون أحاديث هذا الباب، لأن الآخرة ليست دار عمل ولا ابتلاء، وكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها اهـ، وأجاب ابن القيم بوجوه: منها : أن أهل العلم لم يتفقوا على إنكارها، بل صححوا بعضها، فحديث الأسود رواه أحمد و إسحاق و ابن المديني فهو أجود من كثير من أحاديث الأحكام، ومنها : أن أبا الحسن الأشعري حكى هذا المذهب عن أهل السنة، فدل على أنهم عملوا بالأحاديث، وذكر البيهقي في الاعتقاد له أن بعض الأئمة نصوا على الامتحان، وقالوا: لا ينقطع إلا بدخول دار القرار، ومنها : ما في الصحيح: في الرجل الذي هو آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وأنه يعطي ربه عهودا ومواثيق أن لا يسأل غير ما سأل، ثم يسأل، فيقول الله له: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك فالغدر مخالفة للعهد الذي عاهد عليه ربه.
ومنها : قوله تعالى: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ فهو صريح في أن الله يدعوهم إلى السجود في القيامة، وأن الكفار لا يستطيعونه إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى، فأما الذين جزم لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم من أهل النار، فلعله قد اطلع على ذلك كما تقدم أنه رأى عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، أي أمعاءه؛ لأنه أول من غيَّر دين إبراهيم وهكذا قوله في حديث ابن مسعود عند أبي داود الوائدة والموؤودة في النار ، وفي رواية: إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم ذكره ابن كثير وقال: إسناده حسن .
  وحيث إن مشركي العرب عندهم بقية من دين إسماعيل ولكنهم قلدوا آباءهم في الكفر وعبادة الأصنام، فلا مانع من تعذيبهم على ذلك، والحكم عليهم بأنهم من أهل النار، فإن كان منهم من لم تقم عليهم الحجة، وعاش في جهل وَبُعْدٍ عن شرع الله، ولم يتمكن من البحث عن الدين الصحيح، فله حكم أهل الفترة، وحكم أولاد المشركين.
وأما من كان قادرا على البحث وقد أعطاه عقلا وإدراكا وعنده آثار وبقايا من دين إبراهيم و إسماعيل وأصر على عبادة غير الله وهو يعترف بأن الله تعالى هو الرب خالق كل شيء، بما تلقاه عن آبائه وأجداده، ومع ذلك يخلص العبادة لله وحده إذا كان في لجة البحر ويعلم أنه لا ينجي منه إلا الله تعالى، ثم يعود إلى الشرك، كما هو حال مشركي العرب، فلا مانع من أن يجزم لهم بأنهم من أهل النار إذا ورد فيهم حديث ينص على ذلك، والله يحكم بين عباده، ولا يظلم ربك أحدا، ولا يعذب إلا من يستحق العذاب، ويعترف على نفسه كما حكى الله عنهم قولهم: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ .
 فهذا ما ظهر لي، ومن لديه جواب غير هذا وله وجه من النظر فله أن يقول به، وقد كتب السيوطي رسالة في نجاة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وهي مطبوعة في الحاوي ، ولكنه تكلف فيها وردَّ الأحاديث الصحيحة، وأنكر عليه شيخنا عبد العزيز بن باز وغيره، والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.